بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 27 سبتمبر 2008

«تدويل» رسالة حب
من " الأخبار " اللبنانية
خضر سلامة«قال سيحبسني في قنينة من حب وسيغمرني بقصائد وسيرسم جمالي على شطّ صور...» وأقول أيضاً، إن عنقك يليق بقلادةٍ صنعت من ياسمينةٍ لا تنحني، زرعها جدي لوحةً في تجاعيد جدتي، وأسميها مجازاً قصيدتي الأولى، وسأقسم لك بكأسين، فيهما عناوين كثيرة لشارع واحد في الحمرا، بأني سأبني لكِ من حطام السفن المتكسرة على خديك، سأصنع لك تاجاً، وأسميك مملكتي... وأعطيك بحر صور في علبة أسرار.«وقال سيحفظني في قلبه ويهديني زهرة لوتس. وقال حزني حزن مجدلية»، بل أكثر فرحاً من صليب يحكي لي كل يوم ذاكرة الناصرة، ويعانق في الفجر ذراعي إله سقط من ثقب في السماء، ووجد نفسه ثملاً ببكاء أطفال قانا الجليل، أكثر فرحاً من طفل سلّمه بحارٌ دفة مركب، وعلّمه لعبة الموج على صدر جبيل، حزنك حزن مجدلية ترتمي على ظل المحبوس في قمقم الفداء.. وفرحك.. فرح الباحثة في زوايا القبر صباحاً، عن رائحة القيامة.. بعد هذا كله، سأهديك زهرة لوتس أخرى.«قال سيكتب لي ويقبّل عينيّ حين تغفوان في عينيه، لكنّه نسي اسمي وكتب لامرأة من خيال..».ومن أقنعك أني اخترعتك أنتِ من حقيقة؟أذكر أني منذ عقود، وجدت أصابعك مكدّسةً في صندوق من حبر مرميّ في زاوية من أمل لم يهدمها المغول في بغداد.. فكنتِ خيالاً جميلاً..وأذكر أني منذ عقود، وجدت نهدين من سكّر، في جعبة رحّال خرج من أرض عدن صوب مرافئ لا أسماء لها إلا في كتب الشعر، فتارةً نسميها عروس بحر، وتارةً نسميها وردةً جورية، وأحياناً نسميها بيروت أيضاً، خرج رحالٌ صوبها يبحث عن أرض يدفن فيها فضيحة الأنوثة.. فدفنكِ في قلبي حلماً، وأنثى.. ورحل.وأذكر جيداً أني منذ عقود.. علّمني عجوزٌ أبعده عن الموت فاصلٌ من طفولةٍ عابرة، أول درس في الحب: «إياك أن تملكك امرأة.. سيقتلك التملّك، وسيذوب شعرك في كوبٍ من جفاف مرير»، سأبحث دائماً عنكِ، خليكِ بعيدة.سأكتب لك الليلة، بأي شوقٍ أكتب حين أكتب إليك.«أمير عندما ينتظر المغيب ليبوح للبحر بأسراره ويخبره عن نسائه الأفريقيات، ويحرص... يحرص على ألّا يأخذ الحزن من ملح الشّاطئ... فالملح ينكأ الجراح».أسمع طبول أفريقيا.. أسمعها جيداً، أكاد أضيع بين النوتة والنوتة، أقرعها أم تقرع فيّ شيئاً؟ أسمع أفريقيا كلها آتية، بملايين الفقراء، بآلاف النساء الجميلات الحزينات القتيلات في حروب القبائل.. أسمع أفريقيا تبصم بأربعة أصابع.. أما الخامس، فسرقه المستعمرون منها.. أسمع أفريقيا ترشح حذاءً ممزقاً لم يدخل مع التابوت إلى الأرض، ترشحه لنقابة الجوع.اسمحي لي أن أكسر خمرة الكلام بقليلٍ من النشوة: أن آخذ قليلاً من الملح في حقيبة السفر، أحب تذوق الأحزان ليلاً، وحيداً، ثملاً بأي شيء، بأي ذكرى جميلة..«ثم يخرج من مائه نقيّاً، كأنّه ولد أمس، أو كأنّه يموت غداً، أو بعد غد». لو أني أصل إلى نهر الأردن الآن.. لتعمدت فيه عاشقاً..ولو أني أعرف الطريق إلى نبع زمزم.. لتوضأت فيه على نية الشعر شاعراً عربياً..ولو أني أميّز بين الصديق والعدو في هذه الصحارى الكثيرة، لدخلت في الفرات بهلولاً مجنوناً، يحفظ أسرار البصرة والموصل، ويدرك أي الجهات تأخذني إليك.. خذيني إليك.سأسجّل أسماء كل الأنهار والبحار والينابيع، وأعود نقياً، أولد فيك، أموت على مرمى كلمة وداعاً، وأبعث حياً، بعد قرونٍ.. في قلم ما زال يكتب لكِ.
عدد السبت ٢٧ أيلول ٢٠٠٨

السبت، 20 سبتمبر 2008

كيف نظر الفلاسفة الى الجنس - عن النهار اللبنانيةسبتمبر --2008


ثمة سؤال نقله الكاتب عبدالله كرمون عن مجلة "لير" الفرنسية هو: "كيف يمارس الفلاسفة الجنس"؟ سؤال يستدعي التأمل وخصوصا ان الفلاسفة اكثر من نظر في الجنس، ولكن كثيرا ما ابتعدوا عن الزواج. فمن أين نبدأ في هذا المجال، من الفلسفة ام من الواقع، من الجنس ام من علاقة الفيلسوف بالمرأة، ام من علاقة المرأة بمنظر الفلسفة؟ قال فرويد يوما إنه على الرغم من سنواته الطوال في دراسة "الروح الأنثوية" فإنه لا يزال عاجزا عن معرفة ماذا تريد النساء بالضبط! ويعتبر أيضا ان الحياة الجنسية ليست نهرا جامدا وإنما هي بالعكس من ذلك عروة كل صراعات الحياة النفسية! ما قاله فرويد ندركه جميعا، ونعيشه، ونفهمه من خلال علاقة نيتشه بالنساء، او علاقة الروسية لو اندرياس سالومي بالشاعر ريلكه والفيلسوف نيتشه، او علاقة غالا بالرسام سلفادور دالي والشاعر بول ايلوار. امر غريب ان يفهم المرء "الروح الانثوية" سواء أكانت المرأة متحررة ام مقيدة بالنقاب والتشادور ونحوهما.
قال ميشال فوكو: "تشكل اللذة غاية بذاتها، فهي لا تخضع لا للمتعة ولا للأخلاق ولا لأي حقيقة علمية". قد يصطدم بعضهم بأن فوكو كان مثليا. هذه هي حال فيلسوفنا، فقد كان الجنس بالنسبة اليه متطابقا مع الشعارات الثورية التي رفعت في أيار 1968، وفي هذه الأجواء تعالت الصيحات الأنثوية أيضا مشكِّكةً بالمعايير الخلقية وداعيةً الى حق المرأة في تملك جسدها، وحق المرأة في رفض الإنجاب، وحق المرأة في رفض الرضاع والأمومة، وحق المرأة في عدم تربية أولادها، وحق المرأة في إطلاق رغباتها الجنسية، بل وحق المرأة في الشذوذ والزواج المثلي. وحدث ما سمّي بـ"الثورة الجنسية"، حيث أصبح الابن يسوق عشيقته إلى بيت أبيه، والبنت تصحب حبيبها إلى غرفة نومها أمام والديها. ومن قبل، دعا افلاطون في جمهوريته إلى: "أن نساء محاربينا يجب أن يكنّ مشاعاً للجميع، فليس لواحدة منهن أن تقيم تحت سقف واحد مع رجل في عينه منهم، وليكن الأطفال أيضاً مشاعاً بحيث لا يعرف الأب ابنه، ولا الابن أباه". يقول بعض الباحثين إن أفلاطون كان مشجعا للشذوذ الجنسي أو الزواج المثلي الذي كان شائعا في المجتمع اليوناني. وجاءت الشيوعية لكي تنادي بالمشاعية والإباحية ولكي تعتبر العمل الجنسي في مذهبها لا يعدو أن يكون "كشربة ماء"، لكنها تعتبرها مسألة شخصية جداً، على قول المفكر الألماني أوغست بيبل الذي يرى أن "إشباع الغريزة الجنسية مسألة شخصية تماماً شأنها شأن إشباع أي غريزة أخرى، فلا أحد يحاسب عليها أمام الآخرين".لكن كيف مارس الفلاسفة الجنس؟ كيف تتحمل الفتاة "ثقل" الفلاسفة، وخصوصا ان ثمة عبارة ثاقبة هي مثار جدال بالطبع، تقول "المرأة التي تفكر، كالشاب الذي يضع احمر شفاه". لنقل ان معظم الفلاسفة بقوا عازبين. الجميع في القرن السابع عشر بلا استثناء: ديكارت، سبينوزا، باسكال، لايبنيتز، مالبرانش، غاسندي، وهوبس. البعض فقط حاول المغامرة الزوجية في القرن الثامن عشر، ديدرو مثلا، لكن ليس هيوم او فولتير او كانط. وفي القرن التاسع عشر تزوج كل من هيغل وفيشتيه وشيلينغ وكومت وماركس، لكن ليس شوبنهاور او نيتشه ولا كيركيغارد. من يقرأ سيرة نيتشه سيجد فيها كثيراً من التناقضات المثيرة للدهشة، من مثل ما كتبه عن الحب والزواج من جانب، واندفاعه إلى الحب بسرعة شديدة من جانب آخر. فمن آرائه في المرأة يقول: "إن المساواة بين النساء والرجال مستحيلة، لأن الحرب بينهما أبدية، ولن يتحقق السلام بينهما إلا بانتصار أحدهما". ويضيف: "من تكون المرأة بالنسبة إلى الرجل؟ إنها لعبة خطيرة ويجب الاعتراف في النهاية بالضرورة التي لا مهرب منها: وهي أن يكون الرجال للحرب، وتكون النساء للترفيه عن المحاربين وكل ما عدا ذلك سخافة".‏ لكن هذا الفيلسوف وقع في الحب عندما ظهرت في حياته شابة جميلة مثقفة (نقصد سالومي) فاندفع الفيلسوف في حبها، وطلب منها الزواج. لكن سالومي رفضته على رغم شهرته وعبّرت عن ذلك الرفض برسالة قالت فيها: أتعلم لماذا رفضت الزواج منك؟ لأن عقيدة القوة التي تدعو إليها تقتلني وتخيفني، ولقد كنت أعتقد أنك إذا كنت تمثل القوة فأنا أمثل الحب. وأن في وسعي أن أكمل النقص الملحوظ في قوتك، بحيث نحقق معاً الوحدة المثالية بين القوة والحب. أما المرأة في نظر الفيلسوف شوبنهاور فهي "قد تملك أحيانا مقدرة فائقة، ولكنها لن تستطيع أن تكون عبقرية، لأنها لا تقدر على الخروج من ذاتها، فهي ميالة إلى النظر إلى الأمور من خلال عواطفها ورغباتها الشخصية". وثمة من يقول إن الفلاسفة أمثال شوبنهاور وديكارت وكونفوشيوس وغيرهم معادون للزواج والحب، ومن عدائهم هذا نشأت فلسفتهم. إنهم منهمكون في خلق العالم المثالي وذلك لحاجتهم إلى التعويض عن الفشل والخيبة في واقعهم. هذا كله له جذوره في الحرمان من الزواج. والحال أن الكثير من الفاشلين في الزواج يبررون فشلهم بأسباب يردّونها إلى الجنس الآخر. على الرغم مما نعرفه عن كتابات ديدرو التي تنزع إلى نوع من الفجورية، فإن حياة الرجل تختلف تماما عما تنطوي عليه كتاباته من هذه الناحية، سواء وخصوصا عدم اهتمامه بزوجته نانيت، نظرا الى تخلفه عن البيت العائلي بشكل متكرر. كان لكانط تجربته الخاصة في علاقته بالجنس والمرأة، يقول: "سنثبت بصعوبة ان الشخصيات التي عمّرت كانت في اكثر الاوقات متزوّجة". ينبغي الاختيار اذاً، إما العيش طويلا وإما الزواج الذي هو انتحار بطيء. لم يحب كانط يوما، وقد بقي طول حياته عازبا. بالنسبة اليه فإن العيش بلا امرأة هو زهد، والعيش معها زهد ايضاً. وفي ما يخص العازبين فهنا يطرح كانط مسألة الاستمناء الذي يعتبره أخطر من الانتحار ويربأ تسميته بالاسم، داعياً الى حماية المراهقين منه بزرع فكرة انه يجلب العجز ويبدد البدن ويفسد الذكاء، وإن كانت مساحة للاختيار بين الاستمناء والاتصال بشخص من الجنس الآخر فلا حرج عنده. كان كانط متزهدا في علاقته بالنساء، اما ديوجين فينتمي الى تلك الفئة من الفلاسفة المتشردين الذين يحيون ما يسميه الناس "حياة الكلاب". وهو نفسه المعروف بلقب ديوجين الكلبي. كان يتسكع في أزقة أثينا وساحاتها وفي غيرها من المدن اليونانية، متسخا ومرتديا أسمالا بالية، متخذا برميلا سريره من دون أن يبدي أي حاجة الى غيره. حتى أن الإسكندر الأكبر جاءه يوما واقترح عليه أن يسأله حاجته، غير أن ديوجين لم يأل جهدا إذ صرخ في وجه الامبراطور: تنحَّ فإنك تغطي بظلك الشمس عن وجهي! وعلى الرغم من أن ديوجين هذا معروف بقوته وفورانه فإنه بطل الاستمناء بلا مراء. ذلك أنه يرى في الزواج ميدانا لتعقيدات دائمة، مفضلاً أن يدفع الى محترفة كي يلبي رغبته.كُتب على جيني ماركس أن تتزوج من كارل ماركس على رغم اختلاف حياتهما، فهي من أسرة عريقة وغنية، أما كارل فكان فقيراً معدماً من أسرة كادحة حيث كان يضطر إلى سرقة الأواني الفضية ليبيعها فى الأسواق. لكنه كان في الوقت نفسه يتميز بنظرة ثاقبة في دراسة صراع الطبقات، وجعله سحر نظراته وتأثيره على جيني في منزلة رفيعة عندها. كانت تقبل منه ما يصدر عنه وتحملت فى سبيله الفقر المدقع والإذلال ولم يكن ذلك من أجل نصرة البروليتاريا. وفي فترة غياب زوجته ضاجع الخادمة وانجب منها ولدا يقال انه اوكل به الى صديقه انغلز.
هايدغر وحنة اليهودية
ماركس ليس احسن من هايدغر (المقرب من النازية) الذي تزوج بإلفريدة بيتري التي رعت كما يلزم واجبات البيت الزوجية. وانجب منها، كما انجبت هي من سواه، وهي في عصمته، لكنه سرعان ما ملّ عشرتها ليمضي حياته متنقلاً بين تلميذاته، وغير تلميذاته، وليصنفه دارسوه اليوم على أنه فيلسوف عظيم، وزير نساء من الطراز الأول. نشرت "دار شبيغل" الألمانية تحقيقاً موسعاً عن هايدغر تحدثت خلاله عن نسائه حديثاً مستفيضاً، ومن هؤلاء النساء الباحثة الفلسفية اليهودية حنة أرندت التي كانت إحدى تلميذاته. وتقول المجلة إن زوجة هايدغر، الفريدة، اضطرت للاعتراف بهذه العشيقة وللتعايش معها.كتب هايدغر الى الفريدة: "تعالي أوحي واستريحي فوق قلبي، بعمق شديد واستكانة أبدية. أريد أن أنظر إلى عينيك الممتلئتين بالحكايات. هل تملك يداي القداسة الكافية لتطوّق رجفات يديك؟ هل روحي التي ضربت بالسياط خلال كل هذه الظلال من الشك والتساؤل، قادرة على أن تضع لك تابوتاً يحتفظ بحبك إلى الأبد؟ سامحي صغيرك الشاب، وأعذري عدم هدوئي أيام الآحاد"! لعل الكلمة الأدق هي أن هايدغر وفّق بين عذاب المصطلحات والمفاهيم الفلسفية، وبين انشغالات القلب اليومية العاطفية. وقد دام هذا التوتر في حياته أكثر من نصف قرن، حتى موته عام 1976. خيانة الفريدة لهايدغر، وإن خلّفت ابناً للفيلسوف يعيش في بيته، وليس من صلبه، لم تكن أكثر من قطرة في بحر خيانة هايدغر لزوجته. ويبدو أنه هو الذي بدأ بمسلسل الخيانة وأن زوجته لحقت به في ما بعد، بدليل أنها كتبت إليه مرة تقول: "كيف مزقت ذاتي التي كان عليها أن تتحمل هذه الاساءات اللاإنسانية بسبب اخلاصها لك. وذلك ليس لمرة واحدة فقط، بل لمرات عديدة متكررة طوال أربعة عقود. هل في استطاعة إنسان، إن لم يكن شجراً أو سطحياً، تحمّل هذا؟ دائماً تقول وتكتب أنك مخلص لي ومرتبط بي. ما هذا الرباط؟ إنه ليس الحب، وإنها ليست الثقة. أنت تبحث عن وطن عند النساء الأخريات. يا مارتن! هل تعرف ماذا يوجد في داخلي؟ وهل تدرك كم هي موحشة، جامدة، ومثلجة، أعماقي؟ حنه أرندت التي سيكون لها شأن كبير في ما بعد، أعجبت بهايدغر هي أيضا واعتبرته "ملكا سريا للفكر". على رغم أنه كان يكبرها بسبعة عشر عاماً، ومتزوجاً وله طفلان، فذلك لم يؤثر على خيارها الاستمرار بالعلاقة، وهذا على عكس هايدغر، الذي مع الوقت بدأ يشعر بالخوف على سمعته وعلى المجازفة بفقدان مقعده التدريسي وصعوده الوظيفي في الجامعة.
عجز سارتر
سارتر كان اكثر وضوحا في أموره الجنسية، صاحب شهرة في هذا المجال لكنه ليس صاحب فعل. يشاع عنه انه كان يسكن في المدينة وينجب طفلا ويتركه، وهو يقول إنه لا يجد حرجا في حصوله على انتصاب سريع، غير أنه لا يشعر تاليا بلذة حقيقية. هكذا تنتهي اللعبة من سارتر الذي كان يكثر من العشيقات. سيمون دو بوفوار هي عشيقة سارتر التي امضت حياتها كلها معه من دون عقد زواج تطبيقاً عملياً لمبادئ الوجودية التي تدعو إلى التحرر من كل القيود المتوارثة والقيم الأخلاقية. كتبت أن سارتر رجل شديد الحساسية ونشيط في كل شيء إلا في السرير! هو يعترف بنفسه بأنه يفضل كثيرا أن يداعب امرأة أكثر من أن يلج فيها. ثمة مفارقة في تلك العلاقة بين سارتر وسيمون. هي التي تحب ان تحمل المكنسة في البيت، وهي التي تحلم بأن تكون امرأة شرقية عربية وتنادي بالتحرر، وهي التي تغار من عشيقاته وفي الوقت نفسه تعمل على تزويده، حيناً آخر، محبوبات جديدات، بعضهن في سن المراهقة. ومع أن المرء قد يظنّ أن سيمون دو بوفوار كانت رفيقة سارتر، لا رفيقة أي شخص آخر، إلا أن الدراسات تؤكد أن سيمون كانت مثله تنتقل من عشيق إلى آخر، وإن كان سارتر هو العشيق الرسمي. نشرت "لو نوفيل اوبسرفاتور" صورة عارية للكاتبة من خلف، ولخصت "لو بوان" سيرة جديدة لدانييل ساليناف يبدو فيها جان بول سارتر طاغياً، غيوراً، بارداً جنسياً وذكراً تقليدياً. تقول ساليناف في "قندس الحرب" إن دو بوفوار شاءت ان تكون ثورية في حياتها العامة والخاصة، لكن سارتر أقام علاقات أخفاها عنها وسلك كزوج بورجوازي تقليدي. تلك هي اللذة، تلك هي الروح الانثوية التي لا نفهمها.
راشيل عيد ( الصورة من النهار)

عن النشر في مصر - تأسيس دار شهدي

ولمن لا يذكر .. فهو شهدي عطية الشافعي الذي قُتل غيلة في معتقلات وسجون عبد الناصر . ولمن يريد معلومات اضافية عليه ان يبحث عن كتاب وثائقي للدكتور رفعت السعيد بعنوان " الجريمة ..وقائع التحقيق في مقتل شهدي عطية الشافعي " كما سيجد ذكرا له في بعض اعمال صنع الله ابراهيم .
عقب عودتي الى مصر بعد غيبة اثنتي عشر عاما....حيث كنت اعيش واعمل مرتاحا في بيروت في السنوات الثلاث الاخيرة حتى غزوة شارون عام الف وتسعمائة واثنين وثمانين ..اتصلت بالسيدة روكسان ارملة شهدي واقترحت هي تأسيس دارا للنشر تحمل اسم شهدي .. وقد كان .. فتأسست الدار مني مديرا ومنها وابنتها حنان شركاء .
كانت فكرتي ان ننشر اعمال الشباب شباب الثمانينات . وتعرفت على ابراهيم عبد المجيد الذي قدم لي قائمة واعمل لعدد من كتاب الثمانينات مثل يوسف ابو رية ومحمود الورداني وجار النبي الحلو وغيرهم .. كما نشرنا كتاب رفعت السعيد الذي اشرت اليه ..ورامة والتنين لادوار الخراط والخطوبة لبهاء طاهر ثم تلك الرائحة ( لأول مرة كاملة في مصر ) ..
سياستنا المالية كانت واضحة " المشاركة مع الكاتب في التكاليف وفي الارباح " وكنا نقدم للكاتب ايصالات المطبعة .. ثم ايصالات التوزيع ونقوم بعمل الحساب !
تأسيس دار شهدي كان عملا سياسيا بالدرجة الأولى . فكنا نعلق صورة شهدي على واجهة جناحنا في معرض الكتاب وكنا ندفع الغرامة التي يفرضها موظفو الهيئة باعتبار ان تعليق الصورة يتنافى مع شروط العرض ( الوهمية ) حيث كان هناك اثنان من الموظفين اعتقد ذهبا معاش الان واحد اسمه سمير سعد والاخر سقط من الذاكرة لانه اساسا غير مهم.
خلال ست سنوات طبعنا حوالي خمسة وثلاثين كتابا . مشاكلنا كانت في تحصيل فلوس التوزيع خاصة من المكتبات مثل مدبولي. كنا نستفيد من المعارض الخارجية ونغطي مصاريفنا بل ونربح ايضا.
النشرفي اي مكان عملية تجارية .. والعمل التجاري هدفه الربح . لا اصدق ان ناشرا ما يقول انه يعمل " خدمة " للقراء او الكتاب وانه يخسر . فأنا عشت وعملت في بيروت وتعاملت باشكال مختلفة مع ناشرين مختلفين واعرف بعض خبايا دور النشر ومطابخ الناشرين !( يتبع )

الأحد، 14 سبتمبر 2008

جدل الحياة والموت عند وحيد الطويلة .." احمر خفيف"

يقترب وحيد الطويلة في روايته الأخيرة " احمر خفيف " من موضوع حساس وشائك في الكتابة العربية .. هو الموت. حساسية الموت " العربي " انه مرتبط بالدين. مرتبط بالبعث والقيامة والحساب.مرتبط بالملائكة .مرتبط بالمقدسات.مرتبط بالغيبيات.مرتبط ايضا بالعلم . اي معرفة سبب الوفاة .ومحاولة تداركها احيانا ؛ خاصة بتقدم الطب وبقية العلوم المرتبطة مثل علوم الكمبيوتر!يعرف الطويلة ايضا اننا نبدأ الموت من لحظة الولادة.فديالكتيك الوجود والفناء متواصل فينا ولا يتغلب واحد منهما على الآخر ؛ وإلا لاختفت الحياة من الكون ( الحياة بكافة اشكالها ) فالموت لم ينحدر امام تواصل البقاء او العكس.الطويلة يستفز القارئ الذي تعود على اعتبار الموت عملا سريا لا يجب الخوض فيه .وايضا باعتبار الموت عملا خاصا يجب احترامه . جدل الحياة والموت ادي بالطويلة الى جدل من نوع آخر : ديالكتيك الخير والشر. فالناس الأخيار في هذه الرواية .. يتقاتلون مع " الأشرار" . وقد استخدم المؤلف بوضوح تعبير الشر في شخصية "ناصر" حينما قتل الصبي ابن اخت عواطف " العذراء" التي حاول ناصر اغتصابها . يكتب يصف تاصر بعد ان قتل الصبي " ..وهو على كوم السباخ ، بقعة شر .." جدل آخر يقض مرقد الكاتب : جدل اللغة بين الفصحى والعامية . فهو يستخدم ما شاء له من العامية يطعمها بالفصحى والعكس ايضا ؛ خاصة في حوارات اشخاص الرواية . الشخصية الرئيسية في الرواية " محروس " يرقد على سرير المستشفى ينتر الموت. لكنه ايضا لا ينتظره مستكينا مستسلما . الاهل يحيطون به . كل منهم شخصية مختلفة ؛ يقوم الكاتب ب" تشريحها " ويفصل علاقتها بمحروس .يحضر لنا الطويلة شخصيات الموت : المغسلاتي - كما يطلق عليه .. وهو شخصية نادرة التواجد في الروايات العربية ؛ لآنها مرتبطة ب" طقوس الموت " مثل " ملاك الموت " كما يسمونه في الحس الشعبي.
ونرى في الاساطير الاغريقية عن الموت محاولة التغلب عليه بالخلود مثلما حاولت الآلهة ان تفعل ذلك مع أخيل المقاتل في طروادة. لكن الاسطورة تقول لنا ان الموت هو الغالب هنا نتيجة للإمساك الاله بأخيل من كعبه حينما غطسته في ماء الخلود فبقي كعبه بشريا .. وهو الذي ركز عوليس عليه في قتاله مع اخيل وقتله.
لكن الطويلة يتحدث ايضا عن " اموات الدنيا " و"أموات الآخرة " وانهم طبقا للإنصاف " ينادون على بعضهم البعض" .. وانا في الحقيقة اختلف مع وحيد هنا في التعبير . فالموت اراه اكلينيكيا بحتا . ولا ارى موتى لا في الدنيا ولا في الآخرة. وسبب ذلك اني من المؤمنين بمبدأ التناسخ .
مبدأ التناسخ هنا يقودنا الى شخصية " فرج " سلسل العبيد المحكوم عليه ان يرقص على السلم الذي تعلم الدين ويقرأ القرآن لكنه ما يزال يشعر في اعماقه بانه سليل العبيد. هذا قدره "الذي طاردته عبودية ابه وتمشي امامه اينما حل وذاكرة الخلق كالمنشار".
فرج متمرد على العبودية . متمرد على لونه الأسود لكنه ايضا يريد ان "يتماهى" مع الأخرين. ان يصبح مثلهم . فمع ان عنترة العبسي كان يتباهى بسواد لونه الناتج عن عبودية امه ..الا انه لم يرد أن يتماهى مع الآخرين " اللا سود " وهو مثله مثل غيره يرجع سواد لونه الى " لعنة " .. لعنة حلت "بسيدكم سام حينما غطى رأسه بالمصحف ليحميها من المطر فاسال حبر المصحف على رأسه ومن يومها أسود وجهه"
مشكلة النص هنا ؛ انه يريد ان يكون نصا شاملا لكل شيء . حياة بلدة " ما " بنشاطها الجنسي .. وحياة " سحرية " خارج البلدة حيث " ُتقسم الأرزاق " ليلا تجدها في الفصل الثامن المكتوب برهافة وقدرة وصنعة معلمين . يريد الطويلة ان يأخذنا الى " السحر " كما يريد ان يأخذنا الى الجنس بأنواعه المختلفة في قرية مصرية يتباهى ذكورها ونسائها بطول " الرجل الثالثة " لكما تشم اناث الحمير رغبة الذكور البشرية فيها فتستجيب لهم .
هذه اشكالية متعلقة بالكتابة بشكل عام وبرغبة كاتب ما في ان يكتب " كل شيء " في كتاب واحد..ما يجعل القاريء يضيع احيانا بين شخوص احمر خفيف وبين تكنيك الكاتب في الفلاش باك .
كنت منذ ايام اشاهد فلما تسجيليا عن الموت عند الهندوس . وبالطبع حرق الجثث. ومبدأ الحرق عنهم هم تخليص الروح من الجسد وتحريرها . مذلك وجود مكان مخصص لمن يتأهب للموت اسمه بيت الموتى . يرقد فيه المتوجه للموت بين احبائه واهله . يتأهب معهم لرحلته الأخيرة . موتهم ليس فيه بكاء او ندب . يقول المعلق ان الموت هناك يختلط بالمرح . فهو كما ذكرت تحرير الروح من اسر الجسد.
ثمة رواية من امريكا اللاتينية قرأتها بالعربية عن رجل في سبيله للموت ؛ يستحضر شخوص ووقائع حياته . ركز الكاتب على وقائع محددة تشكل للقاريء تدريجيا صورة المائت وعلاقته بأسرته. كما ركز يوسا في " وليمة التيس " على العلاقة المعقدة بين الإبنة التي حضرت خصيصا من الخارج لتشاهد موت والدها الذي لا تحبه ويستحضر الكاتب في الوقت ذاته احداث سنوات خلت .
يقول الطويلة في نهاية الرواية مستخدما " نشيد الموتى " الفرعوني : انهض يا محروس ، بيتك يفتح شبابيكه للريح ..
اسمع .. الحمام يبكي وماكينة الطحين تبتلع صوتها
قم فارسا ، او مت كما انت فارسا،
انتفض واخرج / اوقد نارك لاتمت/ لا تمت عطشان..

الجمعة، 12 سبتمبر 2008

مائة عام من العزلة ..ثرثرة ..وطحن قليل وملل

حينما صدرت الترجمة العربية لمائة عام من العزلة ..عن دار الكلمة لصاحبها ومؤسسها الراحل حسين الحلاق ..كنت في بيروت وتعودت ان اقضي بعض الاماسي في دار الكلمة مع صحبة رائعة من مثقفين عرب ولبنانيين. قرأت الترجمة فلم افهم الكثير واقر الحلاق بأن الترجمة ضعيفة . ثم بعد سنوات عثرت على الترجمة الانجليزية فقراتها..وانا اشعر بالملل ولمت نفسي باعتبار ان العيب في .. وهذا هو ماركيز ونوبل .داومت على قراءة ماركيز مع كتاب امريكا اللاتينية الذين تعرفت على اعمالهم وخاصة يوسا الذي بهرني - اكثر كثيرا من ماركيز . يوسا مركز وحكيم وفيلسوف . ماركيز .. سطحي وثرثار. قرأت حب في زمن الكوليرا واعجبتني رغم ثرثرتها .. وبالطبع بقية اعماله. اعماله القصيرة اهم ؛ مثل الكولونيل الذي لا يجد من يراسله وقصة موت معلن .. لعلهما اهم اعماله.ومنذ اسابيع قررت ان احسم موقفي من ماركيز خاصة بعد ان لم استطع اكمل روايته الاخيرة ( بالانجليزية ) عن عاهراتي النستولوجيات . قلت في عقل راس : الرجل ظهر هنا على حقيقته فهو يريد ان يحكي ويريد ان يستفيض ..لكن ليس عنده مادة كافية للحكي بالعكس من يوسا الذي يبهرني دائما. لم استطع ان كمل مائة عام من العزلة مع اني كنت صبورا . مشكلة الرواية انها مليئة بالثرثرة التي لا داع لها, بلي بها بعض الفصول والفقرات العبقرية .. لكن بقية الرواية كانت تحتاج الى مقص حاسم . هو كان يريدها رواية اجيال . يريد ان يضع بعض سحر الف ليلة وليلة فيها. مدينة النحاس . اعتقد انه اراد ان ينقل فكرة قصة مدينة النحاس في البلدة التي اخترعها . لكنه اراد ايضا ان يكتب سياسة وصراع عسكري وحزبي .اراد ان يكتب عن الجنس فطلع الجنس عنده في كثير من الحيان باردا مثل حكايات كويلو التافهة التذي بلانا به بهاء طاهر ,,سامحه الرب وتعيد ترجمته باصرار اخبار الدب .. لعل المسؤول بها يريد ان يقول لنا .. هذه هو كويلو الذي به تشيدون .
اذكر مرة سألت الطيب صالح لماذا لم تكمل " بندر شاه " فاجابني منزعجا " يعني لازم الكاتب يقعد يكتب على طول " فموسم الهجرة هي روايته العبقرية. وحينما اراد ان يكتب عن " حالة " مشابهة في بندر شاه ادرك انه لن يستطيع ان يواصل. فترك الرواية لم يكملها ..وهذا حقه .
ماركيز لا يريد ان يتوقف . فهو مريض بالسرطان ولعله يشعر ان توقفه عن الكتابة معناه قبول فكرة الموت التي لعب بها في روايته الاخيرة . العفريت الذي طلع له وكان يراقب اعماله بدقة هو كاتب افريقيا الجنوبية الحائز ايضا على نوبل رغم " عادية " اعماله ( ايضا مثل ناموق التركي الممل) .ز واخذ يحلل انشغال ماركيز بالبنات اللاتي عمرهن اربعة عشر سنة . فقلت لنفسي .. يا سلام على شغل اولاد الكار .
انا هنا لا اريد ان اجامل احدا من المؤلفين الذين اقرا لهم فأنا خارج المؤسسات اجمع .. ولا اتقرب من المعز في ذهبه وبالتالي لا اخشى سيفه .
قلت راي في ماركيز وفي كويلو وفي ناموق ومن لا يعجبه كلامي فهو حر ايضا

السبت، 6 سبتمبر 2008

مهدي عبد الحكيم قاسم

مهدي .. عبد الحكيم قاسم

ليست الرواية القصيرة " المهدي " اعظم اعمال عبد الحكيم قاسم لكنها " اجرأها " لأنها تتناول قضية ساخنة . قضية " اسلمة " قبطي مصري في ريف مصر حيث كانت جماعة الأخوان - وما تزال - متواجدة بقوة . بطل الرواية نجار سواقي متجول ,احط أخيرا في بلدة ؛ المتنفذون فيها من الإخوان . تضيق به سبل العيش هو وزجته وأسرته الصغيرة المتنقلة معه . فيقرر ان يعلن اسلامه حتى يأكل. في اليوم الموعود ؛ يُطاف به في القرية وسط الهتاف والتكبير. يتوجهون به الى شعبة الأخوان حيث سيتلو الشهادتين . امراته تسير خلفه مسلوبة . قبل ان يصل الموكب الى الشعبة ، يموت الرجل الذي كان سيتخذ اسما جديدا هو " المهدي " وما لللاسم من دلالة واضحة.
كان نقدي للنهاية بأنها " سد خانة " حتى لا يغضب الأخوان او الأقباط . فقد كان حكم قبل التحاقه بالحركة الشيوعية نشطا في جماعة الأخوان المسلمين .
كتب عبد الحكسم هذه الرواية القصيرة وهو في المانيا حيث كان يعمل كما قلت حارسا ليليا. وحينما جاء عائدا الى مصر ، زارني في دار شهدي للنشر. تحدثنا عن نشر اعماله . قلت له فلنبدأ بالمهدي. انزعج وغضب . لم اعرف سبب ذلك . عرفت لاحقا انه وثق علاقته بصحيفة " الشعب " وانه بدأ بكتابة عمود فيها . كان عادل حسين يرأس تحريرها وقتها. نعرف انا وعبد الحكيم عادل من السجن حيث كان قياديا في الحركة الشيوعية " حدتو " ( على ما أظن ) وانه كان واحد من المنظرين لحل الحزب ودمج الشيوعيين في التنظيم الطليعي .
أعاد طاهر عبد الحكيم نشر معظم اعمال عبد الحكيم قاسم في الدار التي اسسها والتي انتهت بعد وفاته بسنوات قليلة . لم يعيد نشر المهدي . تصافينا انا وحكم بعد ما حدث في دار شهدي .

الأربعاء، 3 سبتمبر 2008

حاجات شخصية عن عبد الحكيم قاسم

اول مرة ارى عبد الحكيم قاسم ، كانت في عربة الترحيلات التي تقلنا من اقسام الشرطة في القاهرة ، الى سجن القناطر؛ في انتظار صدور قرار النيابة واحالتنا الى المحكمة.كان في العربة كل من سامي خشبة وحسين شعلان ويحي مختار ومحمد كريم وواحد اسمه مسعود ثم عبد الحكيم قاسم وانا. كنت اعرف سامي وحسين ويحي فهم دفعتي في قسم الصحافة - جامعة القاهرة ( تخرجنا عام 1960 ) وكريم كان صديقا لسامي . وعبد الحكيم كان صديقا لهم . انطباعي الأول عن عبد الحكيم الذي اصبح اسمه بعد ذلك " حكم " انه شخص غريب الاطوار. فقد جلس يضحك في السيارة. لعله كان متوترا لكن توتره انقلب بضحك عنده.
وضوعونا في زنزانة مع بعض في سجن القناطر . ووضعونا جميعا في قضية واحدة كان المتهم الأول فيها ابو سيف يوسف ابو سيف سكرتير ما كان اسمه وقتها " الحزب الشيوعي " او الانقسام .. والمتهم الثاني هو اسماعيل المهدوي ..كنت انا المتهم الرابع عشر في قضية بها ستة عشر متهما.
كانت المحكمة في اسكندرية ( بعد انتظار 8 شهور في القناطر) في المحكمة الكلية واصبحنا نزلاء في سجن الحضرة.. ثم الحكم علينا وترحيلنا بعد ذلك الى الواحات عبر سجن مصر وسجن اسيوط .
هكذا تعرفت على حكم وتواصلت علاقتنا في الواحات حيث اقمت في زنزانة مع شريف حتاتة وكمال القلش واخرين .
القلش عرفنا على صنع الله ابراهيم حيث كانا يعرفان بعضهما من خارج السجن وكلاهما في تنظيم " حدتو"
تزاملنا وتصادقنا وربط بيننا الاهتمام بالكتابة ( تجد اضافات هامة في كتاب صنع الله عن ذطرياته في معتقل الواحات )
بعد الافراج عننا.. تشتتنا ثم تجمعنا مرة اخرى في القاهرة . كانت مكتبة السيدة روكسان ارملة شهدي الشافعي القائمة بالزمالك مركز تجمعنا وعملنا ايضا. عرفنا بها صنع الله الذي كان يعرف شهدي. عملت بها حتى اخبرني صنع الله بامكانية عمل في وكالة نوفستي الروسية . تسلم حكم المكتبة بعدي وسكن في غرفة على سطح عمارة في الزمالك .كنا نلتقي هناك . مع صنع الله والقلش .. لكن ايضا انا وحكم . كتبنا المانيفستو . صاغه القلش ووضعناه في صدر تلك الرائحة . وقعنا عليه اربعتنا بالاضافة الى نبيل بدران الكاتب المسرحي ( لم يكن معنا في السجن)
كانت مجموعة " قدر الغرف المقبضة " هي نتاج تجوال حكم في غرف مشابهة لغرفة السطح .
سمعت بالصدفة بمنحة يقدمها اتحاد الكتاب البولنديين لدراسة اللغة البولندية . الهدف هو خلق مترجمين عرب يعرفون البولندية . اخبرت حكم بذلك وتقدمنا سويا للمنحة. لكنه قبل السفر نكص وبقي في القاهرة وسافرت بمفردي. سافر هو بعد ذلك الى المانيا وعمل حارسا ليليا . رجعنا جميعا الى القاهرة في اوقات متفرقة . اسست انا دار شهدي للنشر مع ارملته والنته حنان وبدأت في كتابة بيضة النعامة . رجع حكم ايضا وكان قد نشر قبل ذلك " ايام الانسان السبعة "
بدأ عمله المتقن في الكتابة يلفت الانتباه ؛ خاصة بعد ان نشر صنع الله تلك الرائحة ثم نجمة اغسطس . انا لم اكن قد انتهيت من كتابة بيضة النعامة بعد.
صنع الله وانا قررناالانسحاب نهائيا من العمل السياسي العلني او السري. انسحب قبلي صنع الله . دخل عبد الحكيم معركة انتخابية تحت قائمة حزب ابتجمع . واجه التزوير والشرطة . سقط مريضا وشلت يده وساقه. عاتبته برفق على دخوله معارك خاسرة . التقيته قبيل وفاته صدفة في حفل خاص اقامه الملحق الثقافي الفرنسي لفرقة الورشة المسرحية . جلسنا على جنب فلم نكن نعرف الرجل الداعي ولا اذكر ما الذي دفعنا لحضور الحفلة . كان ادوار الخراط هناك ايضا . جلسنا ثلاثتنا على جنب نشرب ونتذاكر . ذكرني حكم بايام في معتقل الواحات حينما كنت اعمل في " العيادة " وهي زنزانة صغيرة مخصصة لحفظ ادوية السجناء كان يشرف عليها شريف حتاتة بصفته طبيبيا وقبله صلاح حافظ . قال حكم اني مرة ناديت عليه حينما كان يمر بالقرب من العيادة واعطيته ملعقة من العسل الأبيض. قلت له اني لا أذكر الواقعة على الاطلاق. قال انه يذكرها وما يزال طعم العسل في فمه. بالطبع كان العسل الأبيض من الاشياء النادرة في معتقل الواحات. بعد الحفل بايام قليلة سمعت خبر وفاته المفاجيء.
حينما كنت اكتب في " غواية الوصال " لم استطع انهائها . حلمت بعبد الحكيم يسالني عن سبب اكتئابي . قلت له لا اعرف كيف انهي الرواية . اشار لي على النهاية . صحيت في الصباح وكتبتها وانهيت الرواية يومها بعد ان اهديتها له .

الاثنين، 1 سبتمبر 2008

لجنة صنع الله ابراهيم - كتابات الآخرين -3

لماذا اعتبر اللحنة احسن اعمال صنع الله؟ لانها تسبح في فضاء لوحدها خارج جميع اعماله الأخرى . فحتى التوثيق بها عضوي وهام لأن " البطل " ممسوس بالبحث والتنقيب .وهي ليست سوداوية بل مرحة بشكل مختلف عن كتاباته الاخرى التي تثير الحنق او تنشر الكآبة في نفس قارئها. هي اول تحليق له خارج قانون الجاذبية ؛ خاصة حينما حكمت اللجنة على البطل بأن يأكل نفسه فبدأ في أكل ذراعه.تعرفت على صنع الله في معتقل الواحات. كنت اعرف عبد الحكيم قاسم الذي كان في " قضيتي" . في الواحات ايضا تعرفت على كمال القلش. وهناك بدأنا نحن الأربعة نتسائل ونخطط لما سنكتب في المستقبل. انا قررت ان اهتم بالمسرح وما ازال اعتبره ارقى انواع الكتابة الأدبية وان نكصت عنه لاسباب ليست هنا محل سردها.المانيفستو الذي نشرناه بتوقيعاتنا نحن الأربعة في مقدمة " تلك الرائحة " اول عمل كامل ومنشور لصنع الله ..كان يعبر بصدق وبقوة عننا. اي عن طزاجتنا وسذاجتنا وتمسكنا بما نؤمن به.كنا جميعنا في منتصف عشريناتنا او نهايتها .اللجنة اقتربت كثيرا من المانيفستو ..ودخلت بقوة في منطقة لم تدخلها كتابة مصرية او عربية من قبل. البطل الوحيد المهزوم امام الرأي العام الظالم الحاكم لمقدرات الآخرين. وحينما يدافع عن نفسه يصبح هو المتهم .قبل اللجنة جاءت نجمة اغسطس..وقبلها تلك الرائحة. في النجمة يبدو الكاتب متمكنا من ادواته ..لكنها رواية " مصرية " جدا عن مصر وعن الفساد القادم. اللجنة رواية " انسانية " وهذا سر قوتها.
عبقرية اللجنة في انتهاكها للاعراف السائدة في الكتابة العربية .وحدة شخص امام العالم وعزلته . فالكتابة العربية هي كتابة " مكدسة " تكدس الشخصيات لان الثقافة العربية ثقافة " زحمة" وليست ثقافة احترام الفرد. احترام عزلته وخصوصيته وتفرده . وهذا التفرد و هذه العزلة ظهرا بشكل غائم في تلك الرائحة. تأمل الحب في زمن الكوليرا. ستجد مبدأ العزلة هنا هو الذي يحكم..حيث تفرض الكوليرا على العاشقين العجوزين البقاء في السفينة دون ان ترسي بهما على بر. عزلة بطل اللجنة في غرفته. عزلته في بحثه . عزلته امام اللجنة وعزلته في عقابه.. لا تجد هذا في ذات او وردة الا في لمحات خفيفة. تجده يظهر ويختفي في " بيروت بيروت " سوف تجده بوضوح اكثر في التلصص والعمامة والقبعة .. اي بعد ان ابتعد صنع الله عن يعمل مدعي عاما في محكمة بر مصر . بدأ يعمل عند نفسه في التلصص. ثم انتحل شخصية تلميذ الجبرتي في العمامة .. ونجح في التحليق ثانية !