«تدويل» رسالة حب
من " الأخبار " اللبنانية
خضر سلامة«قال سيحبسني في قنينة من حب وسيغمرني بقصائد وسيرسم جمالي على شطّ صور...» وأقول أيضاً، إن عنقك يليق بقلادةٍ صنعت من ياسمينةٍ لا تنحني، زرعها جدي لوحةً في تجاعيد جدتي، وأسميها مجازاً قصيدتي الأولى، وسأقسم لك بكأسين، فيهما عناوين كثيرة لشارع واحد في الحمرا، بأني سأبني لكِ من حطام السفن المتكسرة على خديك، سأصنع لك تاجاً، وأسميك مملكتي... وأعطيك بحر صور في علبة أسرار.«وقال سيحفظني في قلبه ويهديني زهرة لوتس. وقال حزني حزن مجدلية»، بل أكثر فرحاً من صليب يحكي لي كل يوم ذاكرة الناصرة، ويعانق في الفجر ذراعي إله سقط من ثقب في السماء، ووجد نفسه ثملاً ببكاء أطفال قانا الجليل، أكثر فرحاً من طفل سلّمه بحارٌ دفة مركب، وعلّمه لعبة الموج على صدر جبيل، حزنك حزن مجدلية ترتمي على ظل المحبوس في قمقم الفداء.. وفرحك.. فرح الباحثة في زوايا القبر صباحاً، عن رائحة القيامة.. بعد هذا كله، سأهديك زهرة لوتس أخرى.«قال سيكتب لي ويقبّل عينيّ حين تغفوان في عينيه، لكنّه نسي اسمي وكتب لامرأة من خيال..».ومن أقنعك أني اخترعتك أنتِ من حقيقة؟أذكر أني منذ عقود، وجدت أصابعك مكدّسةً في صندوق من حبر مرميّ في زاوية من أمل لم يهدمها المغول في بغداد.. فكنتِ خيالاً جميلاً..وأذكر أني منذ عقود، وجدت نهدين من سكّر، في جعبة رحّال خرج من أرض عدن صوب مرافئ لا أسماء لها إلا في كتب الشعر، فتارةً نسميها عروس بحر، وتارةً نسميها وردةً جورية، وأحياناً نسميها بيروت أيضاً، خرج رحالٌ صوبها يبحث عن أرض يدفن فيها فضيحة الأنوثة.. فدفنكِ في قلبي حلماً، وأنثى.. ورحل.وأذكر جيداً أني منذ عقود.. علّمني عجوزٌ أبعده عن الموت فاصلٌ من طفولةٍ عابرة، أول درس في الحب: «إياك أن تملكك امرأة.. سيقتلك التملّك، وسيذوب شعرك في كوبٍ من جفاف مرير»، سأبحث دائماً عنكِ، خليكِ بعيدة.سأكتب لك الليلة، بأي شوقٍ أكتب حين أكتب إليك.«أمير عندما ينتظر المغيب ليبوح للبحر بأسراره ويخبره عن نسائه الأفريقيات، ويحرص... يحرص على ألّا يأخذ الحزن من ملح الشّاطئ... فالملح ينكأ الجراح».أسمع طبول أفريقيا.. أسمعها جيداً، أكاد أضيع بين النوتة والنوتة، أقرعها أم تقرع فيّ شيئاً؟ أسمع أفريقيا كلها آتية، بملايين الفقراء، بآلاف النساء الجميلات الحزينات القتيلات في حروب القبائل.. أسمع أفريقيا تبصم بأربعة أصابع.. أما الخامس، فسرقه المستعمرون منها.. أسمع أفريقيا ترشح حذاءً ممزقاً لم يدخل مع التابوت إلى الأرض، ترشحه لنقابة الجوع.اسمحي لي أن أكسر خمرة الكلام بقليلٍ من النشوة: أن آخذ قليلاً من الملح في حقيبة السفر، أحب تذوق الأحزان ليلاً، وحيداً، ثملاً بأي شيء، بأي ذكرى جميلة..«ثم يخرج من مائه نقيّاً، كأنّه ولد أمس، أو كأنّه يموت غداً، أو بعد غد». لو أني أصل إلى نهر الأردن الآن.. لتعمدت فيه عاشقاً..ولو أني أعرف الطريق إلى نبع زمزم.. لتوضأت فيه على نية الشعر شاعراً عربياً..ولو أني أميّز بين الصديق والعدو في هذه الصحارى الكثيرة، لدخلت في الفرات بهلولاً مجنوناً، يحفظ أسرار البصرة والموصل، ويدرك أي الجهات تأخذني إليك.. خذيني إليك.سأسجّل أسماء كل الأنهار والبحار والينابيع، وأعود نقياً، أولد فيك، أموت على مرمى كلمة وداعاً، وأبعث حياً، بعد قرونٍ.. في قلم ما زال يكتب لكِ.
عدد السبت ٢٧ أيلول ٢٠٠٨
خضر سلامة«قال سيحبسني في قنينة من حب وسيغمرني بقصائد وسيرسم جمالي على شطّ صور...» وأقول أيضاً، إن عنقك يليق بقلادةٍ صنعت من ياسمينةٍ لا تنحني، زرعها جدي لوحةً في تجاعيد جدتي، وأسميها مجازاً قصيدتي الأولى، وسأقسم لك بكأسين، فيهما عناوين كثيرة لشارع واحد في الحمرا، بأني سأبني لكِ من حطام السفن المتكسرة على خديك، سأصنع لك تاجاً، وأسميك مملكتي... وأعطيك بحر صور في علبة أسرار.«وقال سيحفظني في قلبه ويهديني زهرة لوتس. وقال حزني حزن مجدلية»، بل أكثر فرحاً من صليب يحكي لي كل يوم ذاكرة الناصرة، ويعانق في الفجر ذراعي إله سقط من ثقب في السماء، ووجد نفسه ثملاً ببكاء أطفال قانا الجليل، أكثر فرحاً من طفل سلّمه بحارٌ دفة مركب، وعلّمه لعبة الموج على صدر جبيل، حزنك حزن مجدلية ترتمي على ظل المحبوس في قمقم الفداء.. وفرحك.. فرح الباحثة في زوايا القبر صباحاً، عن رائحة القيامة.. بعد هذا كله، سأهديك زهرة لوتس أخرى.«قال سيكتب لي ويقبّل عينيّ حين تغفوان في عينيه، لكنّه نسي اسمي وكتب لامرأة من خيال..».ومن أقنعك أني اخترعتك أنتِ من حقيقة؟أذكر أني منذ عقود، وجدت أصابعك مكدّسةً في صندوق من حبر مرميّ في زاوية من أمل لم يهدمها المغول في بغداد.. فكنتِ خيالاً جميلاً..وأذكر أني منذ عقود، وجدت نهدين من سكّر، في جعبة رحّال خرج من أرض عدن صوب مرافئ لا أسماء لها إلا في كتب الشعر، فتارةً نسميها عروس بحر، وتارةً نسميها وردةً جورية، وأحياناً نسميها بيروت أيضاً، خرج رحالٌ صوبها يبحث عن أرض يدفن فيها فضيحة الأنوثة.. فدفنكِ في قلبي حلماً، وأنثى.. ورحل.وأذكر جيداً أني منذ عقود.. علّمني عجوزٌ أبعده عن الموت فاصلٌ من طفولةٍ عابرة، أول درس في الحب: «إياك أن تملكك امرأة.. سيقتلك التملّك، وسيذوب شعرك في كوبٍ من جفاف مرير»، سأبحث دائماً عنكِ، خليكِ بعيدة.سأكتب لك الليلة، بأي شوقٍ أكتب حين أكتب إليك.«أمير عندما ينتظر المغيب ليبوح للبحر بأسراره ويخبره عن نسائه الأفريقيات، ويحرص... يحرص على ألّا يأخذ الحزن من ملح الشّاطئ... فالملح ينكأ الجراح».أسمع طبول أفريقيا.. أسمعها جيداً، أكاد أضيع بين النوتة والنوتة، أقرعها أم تقرع فيّ شيئاً؟ أسمع أفريقيا كلها آتية، بملايين الفقراء، بآلاف النساء الجميلات الحزينات القتيلات في حروب القبائل.. أسمع أفريقيا تبصم بأربعة أصابع.. أما الخامس، فسرقه المستعمرون منها.. أسمع أفريقيا ترشح حذاءً ممزقاً لم يدخل مع التابوت إلى الأرض، ترشحه لنقابة الجوع.اسمحي لي أن أكسر خمرة الكلام بقليلٍ من النشوة: أن آخذ قليلاً من الملح في حقيبة السفر، أحب تذوق الأحزان ليلاً، وحيداً، ثملاً بأي شيء، بأي ذكرى جميلة..«ثم يخرج من مائه نقيّاً، كأنّه ولد أمس، أو كأنّه يموت غداً، أو بعد غد». لو أني أصل إلى نهر الأردن الآن.. لتعمدت فيه عاشقاً..ولو أني أعرف الطريق إلى نبع زمزم.. لتوضأت فيه على نية الشعر شاعراً عربياً..ولو أني أميّز بين الصديق والعدو في هذه الصحارى الكثيرة، لدخلت في الفرات بهلولاً مجنوناً، يحفظ أسرار البصرة والموصل، ويدرك أي الجهات تأخذني إليك.. خذيني إليك.سأسجّل أسماء كل الأنهار والبحار والينابيع، وأعود نقياً، أولد فيك، أموت على مرمى كلمة وداعاً، وأبعث حياً، بعد قرونٍ.. في قلم ما زال يكتب لكِ.
عدد السبت ٢٧ أيلول ٢٠٠٨