اول مرة ارى عبد الحكيم قاسم ، كانت في عربة الترحيلات التي تقلنا من اقسام الشرطة في القاهرة ، الى سجن القناطر؛ في انتظار صدور قرار النيابة واحالتنا الى المحكمة.كان في العربة كل من سامي خشبة وحسين شعلان ويحي مختار ومحمد كريم وواحد اسمه مسعود ثم عبد الحكيم قاسم وانا. كنت اعرف سامي وحسين ويحي فهم دفعتي في قسم الصحافة - جامعة القاهرة ( تخرجنا عام 1960 ) وكريم كان صديقا لسامي . وعبد الحكيم كان صديقا لهم . انطباعي الأول عن عبد الحكيم الذي اصبح اسمه بعد ذلك " حكم " انه شخص غريب الاطوار. فقد جلس يضحك في السيارة. لعله كان متوترا لكن توتره انقلب بضحك عنده.
وضوعونا في زنزانة مع بعض في سجن القناطر . ووضعونا جميعا في قضية واحدة كان المتهم الأول فيها ابو سيف يوسف ابو سيف سكرتير ما كان اسمه وقتها " الحزب الشيوعي " او الانقسام .. والمتهم الثاني هو اسماعيل المهدوي ..كنت انا المتهم الرابع عشر في قضية بها ستة عشر متهما.
كانت المحكمة في اسكندرية ( بعد انتظار 8 شهور في القناطر) في المحكمة الكلية واصبحنا نزلاء في سجن الحضرة.. ثم الحكم علينا وترحيلنا بعد ذلك الى الواحات عبر سجن مصر وسجن اسيوط .
هكذا تعرفت على حكم وتواصلت علاقتنا في الواحات حيث اقمت في زنزانة مع شريف حتاتة وكمال القلش واخرين .
القلش عرفنا على صنع الله ابراهيم حيث كانا يعرفان بعضهما من خارج السجن وكلاهما في تنظيم " حدتو"
تزاملنا وتصادقنا وربط بيننا الاهتمام بالكتابة ( تجد اضافات هامة في كتاب صنع الله عن ذطرياته في معتقل الواحات )
بعد الافراج عننا.. تشتتنا ثم تجمعنا مرة اخرى في القاهرة . كانت مكتبة السيدة روكسان ارملة شهدي الشافعي القائمة بالزمالك مركز تجمعنا وعملنا ايضا. عرفنا بها صنع الله الذي كان يعرف شهدي. عملت بها حتى اخبرني صنع الله بامكانية عمل في وكالة نوفستي الروسية . تسلم حكم المكتبة بعدي وسكن في غرفة على سطح عمارة في الزمالك .كنا نلتقي هناك . مع صنع الله والقلش .. لكن ايضا انا وحكم . كتبنا المانيفستو . صاغه القلش ووضعناه في صدر تلك الرائحة . وقعنا عليه اربعتنا بالاضافة الى نبيل بدران الكاتب المسرحي ( لم يكن معنا في السجن)
كانت مجموعة " قدر الغرف المقبضة " هي نتاج تجوال حكم في غرف مشابهة لغرفة السطح .
سمعت بالصدفة بمنحة يقدمها اتحاد الكتاب البولنديين لدراسة اللغة البولندية . الهدف هو خلق مترجمين عرب يعرفون البولندية . اخبرت حكم بذلك وتقدمنا سويا للمنحة. لكنه قبل السفر نكص وبقي في القاهرة وسافرت بمفردي. سافر هو بعد ذلك الى المانيا وعمل حارسا ليليا . رجعنا جميعا الى القاهرة في اوقات متفرقة . اسست انا دار شهدي للنشر مع ارملته والنته حنان وبدأت في كتابة بيضة النعامة . رجع حكم ايضا وكان قد نشر قبل ذلك " ايام الانسان السبعة "
بدأ عمله المتقن في الكتابة يلفت الانتباه ؛ خاصة بعد ان نشر صنع الله تلك الرائحة ثم نجمة اغسطس . انا لم اكن قد انتهيت من كتابة بيضة النعامة بعد.
صنع الله وانا قررناالانسحاب نهائيا من العمل السياسي العلني او السري. انسحب قبلي صنع الله . دخل عبد الحكيم معركة انتخابية تحت قائمة حزب ابتجمع . واجه التزوير والشرطة . سقط مريضا وشلت يده وساقه. عاتبته برفق على دخوله معارك خاسرة . التقيته قبيل وفاته صدفة في حفل خاص اقامه الملحق الثقافي الفرنسي لفرقة الورشة المسرحية . جلسنا على جنب فلم نكن نعرف الرجل الداعي ولا اذكر ما الذي دفعنا لحضور الحفلة . كان ادوار الخراط هناك ايضا . جلسنا ثلاثتنا على جنب نشرب ونتذاكر . ذكرني حكم بايام في معتقل الواحات حينما كنت اعمل في " العيادة " وهي زنزانة صغيرة مخصصة لحفظ ادوية السجناء كان يشرف عليها شريف حتاتة بصفته طبيبيا وقبله صلاح حافظ . قال حكم اني مرة ناديت عليه حينما كان يمر بالقرب من العيادة واعطيته ملعقة من العسل الأبيض. قلت له اني لا أذكر الواقعة على الاطلاق. قال انه يذكرها وما يزال طعم العسل في فمه. بالطبع كان العسل الأبيض من الاشياء النادرة في معتقل الواحات. بعد الحفل بايام قليلة سمعت خبر وفاته المفاجيء.
حينما كنت اكتب في " غواية الوصال " لم استطع انهائها . حلمت بعبد الحكيم يسالني عن سبب اكتئابي . قلت له لا اعرف كيف انهي الرواية . اشار لي على النهاية . صحيت في الصباح وكتبتها وانهيت الرواية يومها بعد ان اهديتها له .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق