لماذا اعتبر اللحنة احسن اعمال صنع الله؟ لانها تسبح في فضاء لوحدها خارج جميع اعماله الأخرى . فحتى التوثيق بها عضوي وهام لأن " البطل " ممسوس بالبحث والتنقيب .وهي ليست سوداوية بل مرحة بشكل مختلف عن كتاباته الاخرى التي تثير الحنق او تنشر الكآبة في نفس قارئها. هي اول تحليق له خارج قانون الجاذبية ؛ خاصة حينما حكمت اللجنة على البطل بأن يأكل نفسه فبدأ في أكل ذراعه.تعرفت على صنع الله في معتقل الواحات. كنت اعرف عبد الحكيم قاسم الذي كان في " قضيتي" . في الواحات ايضا تعرفت على كمال القلش. وهناك بدأنا نحن الأربعة نتسائل ونخطط لما سنكتب في المستقبل. انا قررت ان اهتم بالمسرح وما ازال اعتبره ارقى انواع الكتابة الأدبية وان نكصت عنه لاسباب ليست هنا محل سردها.المانيفستو الذي نشرناه بتوقيعاتنا نحن الأربعة في مقدمة " تلك الرائحة " اول عمل كامل ومنشور لصنع الله ..كان يعبر بصدق وبقوة عننا. اي عن طزاجتنا وسذاجتنا وتمسكنا بما نؤمن به.كنا جميعنا في منتصف عشريناتنا او نهايتها .اللجنة اقتربت كثيرا من المانيفستو ..ودخلت بقوة في منطقة لم تدخلها كتابة مصرية او عربية من قبل. البطل الوحيد المهزوم امام الرأي العام الظالم الحاكم لمقدرات الآخرين. وحينما يدافع عن نفسه يصبح هو المتهم .قبل اللجنة جاءت نجمة اغسطس..وقبلها تلك الرائحة. في النجمة يبدو الكاتب متمكنا من ادواته ..لكنها رواية " مصرية " جدا عن مصر وعن الفساد القادم. اللجنة رواية " انسانية " وهذا سر قوتها.
عبقرية اللجنة في انتهاكها للاعراف السائدة في الكتابة العربية .وحدة شخص امام العالم وعزلته . فالكتابة العربية هي كتابة " مكدسة " تكدس الشخصيات لان الثقافة العربية ثقافة " زحمة" وليست ثقافة احترام الفرد. احترام عزلته وخصوصيته وتفرده . وهذا التفرد و هذه العزلة ظهرا بشكل غائم في تلك الرائحة. تأمل الحب في زمن الكوليرا. ستجد مبدأ العزلة هنا هو الذي يحكم..حيث تفرض الكوليرا على العاشقين العجوزين البقاء في السفينة دون ان ترسي بهما على بر. عزلة بطل اللجنة في غرفته. عزلته في بحثه . عزلته امام اللجنة وعزلته في عقابه.. لا تجد هذا في ذات او وردة الا في لمحات خفيفة. تجده يظهر ويختفي في " بيروت بيروت " سوف تجده بوضوح اكثر في التلصص والعمامة والقبعة .. اي بعد ان ابتعد صنع الله عن يعمل مدعي عاما في محكمة بر مصر . بدأ يعمل عند نفسه في التلصص. ثم انتحل شخصية تلميذ الجبرتي في العمامة .. ونجح في التحليق ثانية !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق