يقترب وحيد الطويلة في روايته الأخيرة " احمر خفيف " من موضوع حساس وشائك في الكتابة العربية .. هو الموت. حساسية الموت " العربي " انه مرتبط بالدين. مرتبط بالبعث والقيامة والحساب.مرتبط بالملائكة .مرتبط بالمقدسات.مرتبط بالغيبيات.مرتبط ايضا بالعلم . اي معرفة سبب الوفاة .ومحاولة تداركها احيانا ؛ خاصة بتقدم الطب وبقية العلوم المرتبطة مثل علوم الكمبيوتر!يعرف الطويلة ايضا اننا نبدأ الموت من لحظة الولادة.فديالكتيك الوجود والفناء متواصل فينا ولا يتغلب واحد منهما على الآخر ؛ وإلا لاختفت الحياة من الكون ( الحياة بكافة اشكالها ) فالموت لم ينحدر امام تواصل البقاء او العكس.الطويلة يستفز القارئ الذي تعود على اعتبار الموت عملا سريا لا يجب الخوض فيه .وايضا باعتبار الموت عملا خاصا يجب احترامه . جدل الحياة والموت ادي بالطويلة الى جدل من نوع آخر : ديالكتيك الخير والشر. فالناس الأخيار في هذه الرواية .. يتقاتلون مع " الأشرار" . وقد استخدم المؤلف بوضوح تعبير الشر في شخصية "ناصر" حينما قتل الصبي ابن اخت عواطف " العذراء" التي حاول ناصر اغتصابها . يكتب يصف تاصر بعد ان قتل الصبي " ..وهو على كوم السباخ ، بقعة شر .." جدل آخر يقض مرقد الكاتب : جدل اللغة بين الفصحى والعامية . فهو يستخدم ما شاء له من العامية يطعمها بالفصحى والعكس ايضا ؛ خاصة في حوارات اشخاص الرواية . الشخصية الرئيسية في الرواية " محروس " يرقد على سرير المستشفى ينتر الموت. لكنه ايضا لا ينتظره مستكينا مستسلما . الاهل يحيطون به . كل منهم شخصية مختلفة ؛ يقوم الكاتب ب" تشريحها " ويفصل علاقتها بمحروس .يحضر لنا الطويلة شخصيات الموت : المغسلاتي - كما يطلق عليه .. وهو شخصية نادرة التواجد في الروايات العربية ؛ لآنها مرتبطة ب" طقوس الموت " مثل " ملاك الموت " كما يسمونه في الحس الشعبي.
ونرى في الاساطير الاغريقية عن الموت محاولة التغلب عليه بالخلود مثلما حاولت الآلهة ان تفعل ذلك مع أخيل المقاتل في طروادة. لكن الاسطورة تقول لنا ان الموت هو الغالب هنا نتيجة للإمساك الاله بأخيل من كعبه حينما غطسته في ماء الخلود فبقي كعبه بشريا .. وهو الذي ركز عوليس عليه في قتاله مع اخيل وقتله.
لكن الطويلة يتحدث ايضا عن " اموات الدنيا " و"أموات الآخرة " وانهم طبقا للإنصاف " ينادون على بعضهم البعض" .. وانا في الحقيقة اختلف مع وحيد هنا في التعبير . فالموت اراه اكلينيكيا بحتا . ولا ارى موتى لا في الدنيا ولا في الآخرة. وسبب ذلك اني من المؤمنين بمبدأ التناسخ .
مبدأ التناسخ هنا يقودنا الى شخصية " فرج " سلسل العبيد المحكوم عليه ان يرقص على السلم الذي تعلم الدين ويقرأ القرآن لكنه ما يزال يشعر في اعماقه بانه سليل العبيد. هذا قدره "الذي طاردته عبودية ابه وتمشي امامه اينما حل وذاكرة الخلق كالمنشار".
فرج متمرد على العبودية . متمرد على لونه الأسود لكنه ايضا يريد ان "يتماهى" مع الأخرين. ان يصبح مثلهم . فمع ان عنترة العبسي كان يتباهى بسواد لونه الناتج عن عبودية امه ..الا انه لم يرد أن يتماهى مع الآخرين " اللا سود " وهو مثله مثل غيره يرجع سواد لونه الى " لعنة " .. لعنة حلت "بسيدكم سام حينما غطى رأسه بالمصحف ليحميها من المطر فاسال حبر المصحف على رأسه ومن يومها أسود وجهه"
مشكلة النص هنا ؛ انه يريد ان يكون نصا شاملا لكل شيء . حياة بلدة " ما " بنشاطها الجنسي .. وحياة " سحرية " خارج البلدة حيث " ُتقسم الأرزاق " ليلا تجدها في الفصل الثامن المكتوب برهافة وقدرة وصنعة معلمين . يريد الطويلة ان يأخذنا الى " السحر " كما يريد ان يأخذنا الى الجنس بأنواعه المختلفة في قرية مصرية يتباهى ذكورها ونسائها بطول " الرجل الثالثة " لكما تشم اناث الحمير رغبة الذكور البشرية فيها فتستجيب لهم .
هذه اشكالية متعلقة بالكتابة بشكل عام وبرغبة كاتب ما في ان يكتب " كل شيء " في كتاب واحد..ما يجعل القاريء يضيع احيانا بين شخوص احمر خفيف وبين تكنيك الكاتب في الفلاش باك .
كنت منذ ايام اشاهد فلما تسجيليا عن الموت عند الهندوس . وبالطبع حرق الجثث. ومبدأ الحرق عنهم هم تخليص الروح من الجسد وتحريرها . مذلك وجود مكان مخصص لمن يتأهب للموت اسمه بيت الموتى . يرقد فيه المتوجه للموت بين احبائه واهله . يتأهب معهم لرحلته الأخيرة . موتهم ليس فيه بكاء او ندب . يقول المعلق ان الموت هناك يختلط بالمرح . فهو كما ذكرت تحرير الروح من اسر الجسد.
ثمة رواية من امريكا اللاتينية قرأتها بالعربية عن رجل في سبيله للموت ؛ يستحضر شخوص ووقائع حياته . ركز الكاتب على وقائع محددة تشكل للقاريء تدريجيا صورة المائت وعلاقته بأسرته. كما ركز يوسا في " وليمة التيس " على العلاقة المعقدة بين الإبنة التي حضرت خصيصا من الخارج لتشاهد موت والدها الذي لا تحبه ويستحضر الكاتب في الوقت ذاته احداث سنوات خلت .
يقول الطويلة في نهاية الرواية مستخدما " نشيد الموتى " الفرعوني : انهض يا محروس ، بيتك يفتح شبابيكه للريح ..
اسمع .. الحمام يبكي وماكينة الطحين تبتلع صوتها
قم فارسا ، او مت كما انت فارسا،
انتفض واخرج / اوقد نارك لاتمت/ لا تمت عطشان..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق